التعاطف الذاتي ماذا يحدث إذا أخفقت في فعل أي شئ هل تلتمس لنفسك العذر وتحاول مرة أخرى أم تشعر بالفشل والإحباط وتتهم نفسك بالتقصير؟ إذا كنت إجابتك الثانية فأنت تفتقد للتسامح والتعاطف النفسي وبالتالي تتعامل مع نفسك بلوم شديد وغضب يؤثر على حياتك وتعاملاتك مع من حولك وقد يدفعك لإدمان المخدرات، وقد تظل سنوات في تلك الحالة من فقدان التوافق النفسي تحتاج معها إلى معرفة أعراضها وسرعة التصرف وتدريب نفسك على الحصول عليه.
ما هو التعاطف مع الذات؟
التعاطف مع الذات في أبسط معانيه هو أن تكون لطيفًا ورفيقا ولطيفًا مع نفسك عندما تشعر بالفشل أو عدم كفاءتك، كفايتك، أو ألمك، كما تكون لطيفا مع صديق تحبه، شريك حياة، طفل، او حيوان أليف وهو عكس النقد الذاتيالذي يوصلك للإجهاد النفسي وأهميته تكمن في أن الإنسان كائن اجتماعي يشعر بتحسن عندما يحبه الآخرون وينظرون له نظرة إعجاب، وبالتالي فإن استجابتنا تجاه ما نقوله لأنفسنا مقاربة لاستجابتنا لما يقوله لنا الناس، فإن قلت لنفسك إنك فاشل فكأنك سمعتها من غيرك بالضبط.
وبالتالي عندما تواجه صعوبة مثلا في حياتك كالإدمان قد لا تجد الآخرين دائمًا متعاطفين معك على النحو الذي تطمح إليه ولكن هناك شخص واحد موجود دائمًا لك هو نفسك التي بين جنبيك لن تمل منك وبما أنها رفيقتك الدائمة سيؤثر ما تقوله لها في صحتك النفسية والعقلية.
ولحسن الحظ الدراسات تشير إلى أن الأشخاص الذين يمارسون التعاطف الذاتي تحسنت صحتهم النفسية ومرونتهم العاطفية، ويشعرون بأنهم أكثر ارتباطًا بالآخرين ويعانون بدرجة أقل من الاكتئاب والقلق والنقد الذاتي.
ما هو دور التعاطف الذاتي في علاج الإدمان؟
تظهر الدراسات التي أجريت على العديد من الأشخاص الذين يمارسون التعاطف الذاتي وخاصة المدمنين المتعافيين ظهور فوائد تحققت لهم بهذا الأمر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. تحمل المسؤولية
الأشخاص وخاصة المدمنين المتعافين الذين يمارسون التعاطف الذاتي مع أنفسهم أكثر عرضة لتحمل المسؤولية عن أفعالهم وليس إلقاء اللوم على أنفسهم أو الآخرين، وهو ما يدل على أن التعاطف الذات يجعلك تقف إلى جوارها دون خجل أو تتخلي عنها.
2. تكرار المحاولة:
كذلك ظهر على الأشخاص الذين يمارسون التعاطف الذاتي أنهم أكثر عرضة للمحاولة من جديد بعد نتيجة فاشلة إما في دراسة أو عمل أو أي شيء آخر.
3. الإيمان بالضعف والقصور:
الأشخاص الذين لديهم التعاطف الذاتي يشعرون في أعماقهم أنهم لا يختلفون عن آلاف أو ملايين البشر مثلهم على هذا الكوكب وبالتالي لا يكون تركيزهم على قياس أنفسهم بالآخرين بقدر ما يكون قياس الشبه بينهم وبين الآخرين والتسامح معه.
4. سرعة التعافي:
من المرجح أن يتعافى المدمنون أو الذين يعتمدون على التعاطف الذاتي أسرع من غيرهم الذين يركزون على لوم أنفسهم وانتقادها والتحقير منها وبالتالي تثبيطها.
توقف لحظة…
أعراض فقدان التعاطف الذاتي:
يمكنك ببساطة أن تعرف مدى التعاطف الذاتي الذي لديك من خلال سؤال نفسك عندما تواجه خيبة أمل أو خسارة أو ألم، ما الصوت الداخلي الذي يسيطر عليك ويتملكك؟ والذي سيكون واحدا من هذه بالطبع:
1. صوت سلبي لوّام:
تلوم به نفسك أو تتشاءم أو تشعر بالأسف على نفسك أو تشعر أن الأمر يتفلت من بين يديك وأنك لا تملك الكفاءة للاعتماد على نفسك وتحمل المسؤولية عن حياتك وبالتالي يجرفك هذا الصوت إلى ما بعده من سلوكيات سلبية لأنك تكيل لنفسك به من اللكمات ما هي في غنى عنه في وقت الحسرة.
2. التركيز على نفسك:
إحدى السمات التي يشترك فيها الأشخاص الذين يفتقرون إلى التعاطف الذاتي في كثير من الأحيان، هي معاناتهم مع التركيز على أنفسهم وعالمهم الداخلي والتشديد على أنفسهم في كل موقف مروا به.
3. صعوبة في فهم تصرفات الآخرين:
لا يستطيع الشخص الذي يفتقر إلى التعاطف الذاتي أن يضع نفسه في مكان الآخرين كما يعاني من مشكلة في فهم تصرفات وكلمات الآخرين، فضلاً عن رد الفعل تجاه أفعال الآخرين، وهو ما يولد معاناة تالية عندما يفكر الشخص في ما فعل.
4. الأنانية:
وهي شيء شائع بين جميع الأشخاص الذين يفتقرون إلى التعاطف حيث يتمركزون حول الذات ويرون كل شيء من وجهة نظرهم، ولا يحبون أن يصطدم أحد مع هذه النظرة، فكل ما يريده الشخص الذي يفتقر إلى التعاطف الذاتي الدفاع عن حقوقه وتحقيق أهدافه.
5. الافتقار إلى اللباقة
عند التواصل مع الآخرين، فإن الشخص الذي ليس لديه تعاطف ذاتي لا يأخذ ويعطي في الكلام، بل على العكس تماما، لا يبالي بالآخرين وردات فعلهم تجاه ما يقول، ويفتقر إلى أصول اللباقة في القول والفعل.
6. نفاد الصبر:
من السمات المشتركة الأخرى للأشخاص المفتقرين إلى التعاطف الذاتي نفاد الصبر مع الآخرين، والعصبية فهم لا يستطيعون فهم احتياجات الآخرين أو تقديرها ومن المزعج لهم أن يضطروا إلى تكرار كلامهم وينسحبون بسرعة.
7. الحكم المسبق:
عدم امتلاك القدرة على التعاطف الذاتي ينشئ حالة من التساهل في إصدار الأحكام المسبقة على أنفسهم وعلى الناس وللأسف هذه الأحكام تخرج عن إطارها لتشكل سلوكيات الشخص وتوجهاته.
8. العزلة الاجتماعية:
نتيجة لما سبق من أشياء يميل الشخص الذي يعيش حالة من قلة التعاطف الذاتي حالة من العزلة و من عدم تقدير المشاعر الإنسانية والعلاقات فيتجنب الآخرين حتى لا يفهمهم أو يفهمونه بسوء، وربما لقلة صبره.
والسؤال الذي يطرح نفسه…
لماذا يفتقر البعض إلى التعاطف الذاتي؟
لدينا العديد من الأسباب التي تجعل الناس يميلون للوم أنفسهم وانتقادها وترك التعاطف الذاتي ومن هذه الأشياء:
1. التربية:
النقد واللوم في الصغر، فربما يكون الفرد الذي يفتقر إلى التعاطف الذاتي نشأ مع أصوات أبوية انتقادية في المنزل أو حتى في المدرسة كأن يقول الأب له مثلا “لا مكان لك في الحياة أبدا” “أنت فاشل وستبقى كذلك” وهذا النقد لا يجدي بل يترك اثرا معاكسا في نفسية المرء وغالبا ما ينتهي الأمر بفقراء التعاطف الذاتي إلى أن يكونوا نقديين لأنهم يعتقد أن هذا يساعدهم على التحرك للأفضل، وبالتالي مجرد التسامح مع الفشل قد يكون مبعث قلق للشخص لو بدأ في تقبل أو مسامحة نفسه وبالتالي يستنزف طاقته من حيث يظن أنه بذلك يدفع نفسه للتقدم خطوة للأمام.
2. تعاطي المخدرات:
المخدرات وما فيه من تجارب سيئة عايشها المدمن سواء طالته أو طالت أحدا من الناس والتي تدفع المدمن لو تذكرها بعد أو اثناء عملية التعافي إلى لوم الذات وانتقادها وهي مشاعر قد تدفعه نحو الانتكاس من جديد مع الأسف.
3. أحداث الحياة المجهدة:
سواء كانت في المدرسة، العمل، أو الفشل في التجارب التي يقبل عليها المرء بنفسه وعقله، لأن الإنسان بطبعه لا يحب الخسارة في الحياة ويعتبرها استهدافا شخصيا له، كما يمكن أن تؤدي بعض الأمراض المزمنة أو المستجدة على الإنسان أن يصاب بهذه الحالة من الحزن ولوم الذات كذلك.
كيف تتعاطف مع نفسك وتزود ثقتك الداخلية؟
السؤال المهم على الإطلاق في هذه المقالة هو كيف تحتفظ لنفسك بمقدار من التعاطف الذاتي مهما كانت المواقف من حولك مؤلمة ومؤذية وباعثة على اليأس كانهيار علاقة أو مشكلات العمل أو حتى مشكلات طبية نفسية أو أن تكون مدمنا سابقا أو حتى يسعى للتعافي، ولتحقيق التعاطف الذاتي نقترح عليك أن تقوم بما يلي:
1. حدد وعّبر عما تشعر به:
إذا كنت تشعر بالحزن والانزعاج قل لنفسك أن الحزن عادي وصحي وأنك حزين ومنزعج، وإذا شعرت بالغضب فتقبل حقيقة أنه عادة ما تكون هناك مشاعر تحت الغضب يعني أنا غاضب لأنني حزين على كذا وهكذا، أما لو كنت تشعر بالرغبة في البكاء فدع دموعك تتدفق رغم أن كثيرين من الناس (وخاصة الرجال) تعلموا قمع المشاعر وكبت البكاء إلا أن البكاء أحد أقوى الطرق التي تتعامل بها أدمغتنا مع خيبة الأمل أو الخسارة ومن ثم تكون قادرة على المضي قدمًا.
2. اعلم لست وحدك:
فمن العادي أن تصاب بمشاعر حزن أو غضب أو يأس لكن تذكر أنك لست وحدك من مر بهذه المشاعر وأنه جزء من أن تكون إنسانا أن تقع لكنك يمكنك القيام مرة أخرى، فالمثالية في حياة البشر مفهوم في الكتب فقط.
3. الشعور بالألم لا يعني أنك سيء:
التعاطف الذاتي يحتاج أن تمنح نفسك الأمل كل يوم وأن تخبر نفسك أن الخطأ أو الخطيئة لا تجعل منك شخصا سيئا بل إنسانا يصيب كما يخطئ وسيكون على ما يرام وسيتجاوز هذا.
4. كن إيجابي مع نفسك:
كرر لنفسك “أنا شخص جيد” “أنا محظوظ وممتن لحياتي لأني أملك الكثير” وفكر في الإيجابيات التي تشكل ضربة قاصمة لظهر جدار السلبية الذي يريد أن يمنع عنك السعادة.
5. غير روتينك:
فالتعاطف الذاتي كذلك يشمل قيامك بتغيير الروتين على نحو يعدل مزاجك كـ:
- الذهاب إلى الفراش مبكرًا للنوم وأخذ قسط كاف من الراحة.
- ممارسة الأنشطة التي تمنحك الراحة والسعادة كالتمشي في الطبيعة، الاستحمام، القراءة، تشغيل الموسيقى، أو الاستماع إلى فيلم تحبه.
- التدرب على تمارين الاسترخاء الذاتي.
- ممارس الرياضة واليوجا.
6. استمع نفسك:
يتضمن التعاطف الذاتي أولاً الاستماع إلى ثورة مشاعرك والبدء في تحديد مشاعرك بشكل يومي الإيجابي والسلبي منها والترحيب بها دون حكم عليها أو إنكار لها، مع تذكير نفسك بأنك إنسان ناقص وضعيف وغير كامل وبالتالي تشكل هذه الخطوة لك فرصة لممارسة اليقظة الذهنية تجاه مشاعرك السلبية وهو ما يعطيك أهم مفاتيح التعاطف الذاتي وهو السماع والاعتراف لا الإنكار.
7. امدح نفسك:
التعامل مع خيبات الأمل أحيانا يحتاج منك إلى ترك كل شيء ورفع معنوياتك بمدح نفسك وتشجيعها بغض النظر عن ما حدث، فمثلا بدلاً من انتقاد نفسك لفشلها في الحصول على وظيفة تطمح إليها لماذا لا تفخر بأنك حاولت؟ لماذا لا تهنئ نفسك على الخروج من منطقة الخوف والراحة الخاصة بك والسعي كما أمرك الله، وهذه الطريقة لن تساعدك على إعادة هيكلة تفكيرك بطريقة إيجابية وتحصيل التعاطف الذاتي فقط بل ستحسِّن أيضًا من قدرتك على التخلي عن كل فشل أو يأس.
8. واسي نفسك كأنك تواسي حبيبا:
لتحقيق التعاطف الذاتي هناك تمرين لطيف يمكنك تجربته، كل ما عليك فيه أن تجذب ورقة وأن أن تقف أمامها لتواسي نفسك كأنك تواسي شخصا عزيزا عليك في نفس حالة حزنك، واستمر في الكتابة وبمرور الوقت سوف تجد اختلافا في الأسلوب ويعودك هذا التمرين على إدراك القسوة التي تقسوها على نفسك والتخفيف من حدتها.
9. اعرف قيمتك:
لممارسة التعاطف الذاتي بعد الخطوة السابقة تدرب على فهم أن قيمتك لا تعتمد على نجاحاتك أو إخفاقاتك، ولكن كن فخورا على ما أنت عليه فحسب وشجع نفسك دائما فجزء من التعاطف الذاتي أن تتقبل نفسك وأن تعرف أن قيمتها لا تكتسب بشيء مادي زائل.
10. ضع حدا لهاتفك:
إذا كان مصدر الخيبة فشل في العلاقة ويسبب لك كثرة الدخول على هاتفك مراقبة حساب من تحب أو تذكر الصور ولوم نفسك فعليك أن تأخذ هدنة من الشعور بالقلق والعزلة والحزن وقلة القيمة والاكتئاب.